مواضيع جديدة وحصرية على شبكة أبو نواف: كثيراً ماأرى أشخاصاً عجيبين , يتناقشون في موضوعٍ ما لكن لا أعلم لماذا يخيل لي أنهم يتقارعون بالسيوف فكلِ منهم قد استل رأيه وأخذ ينازل به وكأن المسألة ماهي الا ساحة حرب إما قاتل أو مقتول أو حلبة مصارعة فائز أو خاسر فيطول النقاش ليصبح للجدال أقربٍ ,وكلٌ يدافع وينافح عن رأيه ولديه قناعة لاتتزحزح وثقة لاتنحني بأن رأيه هو الصواب ,وماعداه رأيٌ تنقصه الحكمة والتجربة والكثيرمن الإدراك و الوعي . قد ضللت عيناه غشاوة عن أي شيء يخالفه وأوصد أبواب مسامعه عن كل شيء مغايرومختلف عن مبدأه , بل إنه لشدة تمسكه برأيه يرى بأن آراء غيره لاتستحق حتى مجرد الإستماع لها فضلاً عن الإقتناع بها ,لينتهي النقاش بعد ذلك بنفوس مشحونة وغير راضية.
لنبتعد قليلاً عن هذا المعترك,ونحاول تفهم ولو شيئاً بسيطاً عن أسباب ترسخ قناعات البعض بتلك الطريقة , إن آراء البعض ومبادئهم وقناعاتهم ليست إلا تشكيل من تصوراتهم الذهنية الشخصية !! التصور الذهني: كلمة في مفهومها العام تعني الطريقة التي "نرى" بها العالم
شرحها لنا ستيفن كوفي بأنها: (ليست الرؤية الحسية ولكن الرؤية المبنية على أساس التصور والفهم والتفسير) ولنقل أن التصور الذهني عبارة عن :حصيلة خبراتنا المتراكمة الناتجة عن تجاربنا السابقة
ستيفن كوفي شبه لنا التصور الذهني بـالخريطة ! يقول بأن تصوراتنا الذهنية كأنها خريطة, أي ببساطة هي شرح لطبيعة تفكيرنا , نستخدم هذه الخرائط الذهنية لتفسير كل ما يجري لنا , ونادراً ما نشك في دقتها فنحن نثق بهذه الخريطة تمام الثقة ٍبل ونعود إليها كلما استلزم الأمر نحن ببساطة متأكدين بأننا نرى الأشياء بالطريقة الصحيحة والمثالية , أو مانريد مايجب ان تكون الأمورعليه وهذه الثقة التامة هي الأرض الخصبة التي تنمو فيها توجهاتنا وسلوكياتنا وفهمنا لهذه الأشياء , هي بالضبط المرجع او المصدر الذي يتشكل منه أسلوب تفكيرنا ويقولب تصرفاتنا ويصنّع مفاهيمنا.
فحينما تسأل شخص عن رأيه في موضوعٍ ما فهو سيقوم بإستحضار خريطته ويجيبك بحسب ماهو فيها أي بحسب ماهو متشكل في تصوراته الذهنية التي تحكم رؤيته الشخصية.
سنخرج من الكلام النظري , ونجري عليكم تجربة قام بعملها من قبل أستاذ على طلابه في جامعة هارفرد التجربة -فكرية عاطفية - فكرتها أنه لو نظر شخصان مختلفين إلى شيء ما , سيراه كل واحد منهما بطريقة مختلفة عن الآخر !! وسيكون كلاهما على حق !!
لنفترض بأنك ضمن مجموعة من الأشخاص, وقام المدرب بتقسيمكم لمجموعتين منعزلتين, لدى المدرب صورتين مختلفتين عن بعض , أعطاك انت ومجموعتك هذه الصورة -نموذج أ- لتتأملوها ولم يريها المجموعة الثانية اضغط هنا لعرض الصورة
وأعطى المجموعة الثانية صورة مختلفة عنها -نموذج ب-,ولم يريكم إياها . وطلب من كل مجموعة أن تتأمل الصورة التي معها بإمعاان ودقة لعدة ثوان ومن ثم إعادتها مرة أخرى إليه وفي أثناء تأملك في صورة مجموعتك علق عليها شخص بجانبك : (تشوف المرأة اللي بالصورة !؟ تتوقع كم عمرها ؟؟وش لابسة ؟؟ طيب وش تشتغل هذي ؟؟) من المحتمل ان تصف انت ان هذه السيدة سيدة شاابة في مقتبل عمرها ,ربما لايتجاوز عمرها 25 عاماً , وهي جميلة ومواكبة للموضة ومن المؤكد انها تعمل في مجال الأزياء ووظيفتها عارضة. انتهت الدقائق المعدودة جمع المدرب الصور من كلتا المجموعتين ,بعدها أحضر صورة أخرى ثالثة جديدة لم تراها كلتا المجموعتين وعرضها على الشاشة لتراها المجموعتان وسأل ماذا ترون ؟ وطلب منكم ان تصفون مارأيتموه وبدقة! اضغط هنا
اختار المدرب ان يبدأ بمجموعتك ،وطلب منكم ان ينهض اي شخص ليشرح للمجموعة الثانية مايراه الآن على الشاشة نهض احدكم -ممن رأى النموذج أ-وقال : (والله انا اشوف انها بنت عمرها تقريباً 25 حلوة وشياكة وشكلها تشتغل في مجال عرض الأزياء ).
لينهض مباشرة بعدها شخص من المجموعة الثانية-ممن رأى النموذج ب- قائل : (وش تقول؟؟ بنت حلوة !!! هذي عجوز صاكة السبعين ولا الثمانين) -(اقول تستهبل ,شوف طالع زين يا -طوووط- توها صغيرة ووش ملحهااا لدرجة ودي اتقدم لها ,, يازينها بس) -(وش ملحهااا؟؟؟!!!! الله يشفيك بس ,حوَل انت ولاحوٍَل , ذي عجوووز قاااعدة ,, شوف شوف خشمها وش كبره, يقولي 25 سنة) -( ..... -(...... اشتعلت نيران الحوار , وتواصلت المحادثة بس شد ومد وكر وفر ,وقذائف من السباب ومروحيات من اللعن , ذلك كون أن كل واحد منهما واثق تمام الثقة مما يقوله ويصر وبشدة على رأيه ,برغم ان كلا الطرفين كانا على علم منذ بداية هذه التجربة بوجود وجهة نظر مخالفة له و هي صحيحة ومع الأسف -هذا أمر لايعترف به معظمنا-
بعيداً عن المجموعتبن المتناحرتين سنلقي نظرة سريعة على مارأته المجموعة الثانية -نموذج ب- التي وزعت عليهم ولم تراها انت ومجموعتك المجموعة الأولى اضغط هنا لعرض الصورة ماذا نلاحظ هنا , أليست عجوز في الثمانين !
وبعد فترة من النقاش غير المجدي استشاط غضباً احدهم وتوجه إلى شاشة العرض التي تعرض الصورة الثالثة اضغط هنا
وأشار إلى خط الرسم قائل : (هذا هو عقد البنت) ليعارضه آخر ويقول : (وش تحس فيه انت , هذا فم العجوز) ليعاود الإشارة : (وهذي أذن البنت) ليرد الآخر معارض : ( لااا ياشيخ , هذي عين العجوووز عينها)
, لنتأمل النموذجين اللذين وزعا على المجموعتين و ب فنموذج تبدو كفتاة شابة في مقتبل العمر , ترتدي عقداً جميل اضغط هنا لعرض الصورة
اما نموذج ب فعجوز حزينة ذات أنف معقوف اضغط هنا لعرض الصورة
ونرأى بعدها الصورة الثالثة اضغط هنا لعرض الصورة
الصورة الثالثة جاءت في حقيقتها محتملة الشكلين , فتستطيع ان تراها تارة فتاةً شابة وتستطيع ان تراها عجوزاً تارة أخرى , بل وربما في الوقت نفسه. ولكن كلٍ من الشخصين المختلفين قد اعتمد على تصوره السابق المتمثل في الصورة الأولى التي رآها فهو حينما قال رأيه في الصورة الجديدة التي عرضت في الأخير اعتمد وبشكل قاطع على تجربته السابقة مع الصورة الأولى وتصوره الذهني الذي تشكل من رؤيته السابقة
خلاصة التجربة ان كلاً من المجموعتين رأوها بشكل صحيح برغم اختلاف وجهات نظرهم , المفارقة هنا ان تصوراتهم الذهنية وخلفياتهم السابقة هي من حكّمت رؤاهم وجعلت كلاً يرى من خلال منظوره الخاص ومن خلال تجربته الخاصة من خلال ظروفه الخاصة المختلفة عن غيره هذا لايعني أنه ينظر للأمور بشكل قاطع وفاصل إما صحيح أو خاطئ , لا بالطبع بل إن له زاوية مختلفة عن غيره في نظرته للأمور
فالناس حينما يختلفون مع بعضهم في الرأي , يتمسك كلٌّ منهم برأيه المتمثل في تصوراته الذهنية النابعة من خبراته الشخصية وتجاربه السابقة وبيئته المختلفة وظروفه الخاصة فحينما تختلف مع شخصٍ ما في الرأي اقبل النقاش و أعد النظر في أفكار من يختلفون معك... إنهم – فقط – لم تكن لهم تجاربك السابقة التي تجعلهم يفكرون بنفس طريقتك التي تفكر بها ... لماذا لا نتقبل فكرة أنهم ربما يكونون على شيء من الصواب؟ لماذا لانقتنع بأن بعض الأمور تحتمل عدة زوايا للنظر فيها وليست مقصورة على زاوية وحيدة ضيقة وهي تمثل بالتأكيد رأين لماذا لانحاول أن نتفهم وجهة نظر الآخرين لماذا نتمسك برأينا دائماً لمجرَّد أنَّه رأينا !! لدينا رأي ولدى غيرنا رأي لدينا زاوية للنظر ولدى غيرنا زاوية مختلفة والموضوع يستحمل هذا كله ,لأنه وببساطة لدينا تجارب ولدى غيرنا ايضاً تجارب مختلفة
الفيل و العُـميان هل سمعتم بهذه القصة من قبل؟ يُحكى أن ثلاثةً من العُميان دخلوا في غرفة بها فيل وهم لايعرفون ماهو الفيل ,وطـُـلِـبَ منهم أن يكتشفوا ما هو الفيل ليبدأوا في وصفه .بدأوا في تحسُّس الفيل وخرج كلٌّ منهم ليبدأ في الوصف: قال الأول : الفيل هو أربعة عمدان على الأرض! قال الثاني : الفيل يشبه الثعبان تماما! و قال الثالث : الفيل يشبه المكنسة! وحين وجدوا أنهم مختلفون بدأوا في الشجار .. وتمسّك كلٌّ منهم برأيه وراحوا يتجادلون ويتِّهم كلٌّ منهم الآخر بأنّه كاذب ومُدَّعٍ! -لو تبصرنا في الأمر وحاولنا معرفة ماهي التجربة او الخلفية التي أعتمد عليها كلاً منهم- لأدركنا بالتأكيد أنَّ الأول أمسك بأرجل الفيل والثاني بخرطومه ، والثالث بذيله .. لكن .. هل التفتّ أحدهم إلى تجارب الآخرين؟ من منهم على خطأ؟ .. هل كان أحدهم يكذب في وصفه ؟ بالتاكيد لا .. أليس كذلك؟ الكثير منا لايستوعب أن للأمور عدة زوايا تستطيع ان ترى بها جميعا فمثل لو وضعت بينك وبين صاحبك مكعباً-أي أمامه وأمامك- وأبعدته مرة أخرى فسألتك ما لونه ؟, ستجيب على الفور باللون الذي كان ظاهراً أمامك وهو أحمر وسألت صاحبك فأجاب بأنه أصفر ! ستتعجب من جوابه برغم انك رأيت بأم عينك ان اللون الظاهر أحمر , أنت أجبت بناءً على الجهة الموازية لنظرك من المكعب ولم تشك ابداً بأن المكعب ملون وبأن له ألوان أخرى في جهاته الأخرى التي لم تكن موازية لك لتراها.. بل رآها غيرك لو أننا فقط نتعامل مع بعض الأمور كما لو كانت مكعباً ملونا , لتمكنا بكثير من تفهم وجهات نظر بعضنا البعض ولاقتنعنا تماماً بسبب اختلاف وتنوع وجهات نظر الآخرين
لا تعتمد على نظرتك وحدك للأمور ولاتعتقد بأن ليس هناك إلا زاوية واحدة للنظر في الأمور, فالأمور لها عدة زوايا ولا بد من أن تستفيد من آراء الآخرين, لأن كل منهم يرى مالاتراه ,فرأيهم قد يكون صحيحا أو قد يفيدك. ودمتم متفاهمين تابعوا جديد شبكة أبونواف على فيس بوك وتويتر
للاشتراك في قروب أبو نواف ضع بريدك هنا للمشاركة قم بإرسال مشاركتك على البريد التالي : abunawafgroups@yahoo.com |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق